الأحد، 28 فبراير 2010

مافيا


ليس نحن بصدد الكلام عن ال كابوني او زعماء المافيا الايطالية في الولايات المتحدة واوحتي فيلم الاب الروحي الذى جسد بروعة حياة هؤلاء ولاحتي فيلم مافيا المصرى لاحمد السقا ساتكلم في هذا( البوست) عن مافيا اتخذت من الاسلام شعارا ومن القتل منهاجا ومن السياسة بغية وسبيلا انهم الحشاشون واو جماعة الحسن بن الصباح .

الجماعة التي نشرت الرعب والفزع في فترة كانت الامة الاسلامية تعاني من التفكك والضياع وجماعة الحشاشين هذه جماعة سياسية بالاساس اتخذت من الاسلام شعارا لها وكان اعضائها يتلقون اوامرهم بتنفيذ عمليات الاغتيال السياسي لصالح اطراف اخري .

امتاز فدائيو هذه الجماعة بالطاعة العمياء لقائدهم حتي لو امرهم بقتل انفسهم ما ترددوا في ذلك وقبل كل شىء عن ايمان مطلق وتصديق لا يخامره شك ابتغاء مرضاة الله ثم قائدهم الذى يعدهم بالفردوس الاعلي حيث الفتيات الحسان والفاكهة الوارفة وغير ذلك من ملذات الجنة .

اتخذوا من قلعة في بلاد فارس مقرا لهم تدعي هذه القلعة ال موت اي "عش النسور " منها تنطلق الاوامر وفيها الفردوس التي يرجونها ويعيش قائدهم الاعظم.

اما عن قائدهم الاول ومؤسس هذه الجماعة والمخطط لها ولاهدافها هو الحسن بن الصباح


ينتسب الحسن بن الصباح الي ملوك حمير فهو يماني الاصل انتقل ابوه الي طوس من بلاد فارس حيث نشأ وتربي واكتسب معلوماته الاولي في الفقه الشيعي خاصة الاسماعيل منه علي يد معلمه ومربيه " امير درب" الذى علمه اصول الفقه الاسماعيلي حتي تشربه تماما وكان امير درب له علاقة بمذهب الباطنية المصرية ومن هنا تأتي دور مصر في مسيرة وحياة الحسن بن الصباح .


في عام 469 هجريه غادر الحسن بن الصباح فارس الي مصر لتلقي العلوم الشيعية في الازهر ايام الدولة الفاطمية .
شهدت هذه الفترة صراعا نتج عن نقل ولاية العهد من نزار الابن الكبر للخليفة المستنصر الي المستعلي وكان يناصر هذا القرار الوزير بدر الجمالي الذي زوج المستعلي ابنته .


اما عن علاقة الحسن بن الصباح بهذا الصراع هو مناصرة الحسن لنزارولما علم بدر الجمالي طرده من مصر فرجع الي فارس في منطقة دمغان حيث ارسل دعاته الي منطقة ألموت لدعاية اهلها الي المذهب الاسماعيلي ويرى بعض المؤرخين ان اهالي المنطقة سارعوا الي هذه الدعوة لانهم اعتبروها مقاومة للسلطات السلجوقية السنية في هذه المنطقة وبذلك نجح الصباح في خطته الرامية الي نشر المذهب اولا وثانيا وجود تابعين له في مقاومة السلاجقة من جهة وضرب خصومه من جهة اخري.

اما عن استيلائه علي قلعة ألموت التابعة للسلاجقة فقد سلمه له المهدي العلوى الثائر علي الدولة وكانت القلعة اقطاعا له من سلطان الدولة ملك شاه وبذلك فقد تحقق مراد الصباح في وجود قلعة تحميه .


اما عن القلعة التي وصفها ماركو بولو وكان اول الواصفين لها فكانت في جبال مازندران التي تبعد الان عن طهران حوالي100 كيلو متر فكانت محاطة بسرية تامة الي جانب وجود حدائق اسماها الصباح بالفردوس الاعلي واتي بالفتيات الحسان الي هذه الحدائق ليقمن بعمليات اغراء الفدائى المكلف بعملية الاغتيال وهو تحت تاثير المخدر لذلك وصموا بالحشاشين.


اما عن تسمية الحشاشيين لانهم كانوا يتعاطون مخدر الحشيش ويتوهمون انهم في الجنة وبذلك سيطر عليهم الصباح في تنفيذ عملياته وهناك من المؤرخيين من ينكر هذه الطريقة وويرجعها الي كلمة حشاش في اللغة اي حش او جز راس القتيل وبذلك سموا بالحشاشية .


علي اية حال ارتبطت كامة حشاشيين اوAssassins في كل اللغات اي السفك او القتل بمعني سفاحيين وقد انتقلت هذه التسمية علي الارجح ايام الحروب الصلييبية لما كان لهذه الجماعة بعلاقات بالصلبيين وايضا في القرن الثالث عشر عندما وصف ماركو بولو الجماعة وقلعتهم في ألموت .

اما عن بعض الاغتيالات التي قامت بها الجماعة:
1/ اغتيال الوزير السلجوقي نظام الملك.
2/ محاولات اغتيال للسلطان صلاح الدين.
3/ الاشتراك مع الصليبين في خطة لاغتيال عماد الدين زنكي وقد نجحت.
4/ ساعدوا الصليبيين في عمليات ضد الدولة النورية في حلب.
5/ اغتيال سلطان دمشق طغتكين في المسجد الجامع وذلك بعد تحالفه مع نور الدين محمود ضد الصليبيين.

وغيرها الكثير . خلاصة القول ان هذه الجماعة ارهابية وكانت اشبه بالمافيا الدولية لهم جذور في كل مكان ينفذون لمن يدفع اكثر ويعتمدون علي طاعتهم العمياء وليس لهم هدف غير مصلحتهم العليا في الفساد ونشره خاصة في اماكن الاضطراب والحروب.

الأربعاء، 24 فبراير 2010

بيبرس ودبلوماسية الدولة الناشئة



قامت دولة المماليك في عام 1250 في وقت حرج من حياة الامة الاسلامية حيث الخطر المغولي الذى لايبقي ولايذر والخطر الصليبى الذي لايزال حتي ذلك الوقت يجثم علي صدر الامة لذلك كان علي الدولة الناشئة ان تتحدي كل هذه الاخطار بكل صبر وجلد كالطفل الذى يواجه مصيره المحتوم بين وحوش الغابة التي لاترحم ولكن الطفل تفوق علي نفسه وترفع عن مخاوفه وانتصر في النهاية علي كل المخاطر.


في عام 1260 كانت اولي الاخطار واصعبها حيث واجهت الدولة اختبار صعب اذا فشلت فيه كانت النهاية ولكنها تجاوزته بنجاح كبير وعظيم كان دفعا الي الانجازات التي حققتهاالدولة بعد ذلك الا وهو الخطر المغولي الذي انتهي في عين جالوت علي يد السلطان المظفر قطز والقائد القوى ركن الدين بيبرس البندقداري وفي خضم هذه الاحداث اغتيل السلطان قطز قبل التمتع بالانتصار العظيم وكان المدبر لاغتياله ومنفذه بيبرس البندقداري الذى كان علي خلاف سياسي قديم بينه وبين السلطان ليتولي بيبرس الحكم بعدها.
كان علي بيبرس تحديات جمة ومصاعب كبيرة منها الداخلي و الخارجي ولكنني بصدد الخارجي حيث تجلت عبقرية بيبرس السياسية والدبلوماسية الفائقة والتي كانت تتضمن بعض النقاط الهامة بالنسبة لمصر في هذه المرحلة ويمكن تلخيصها في النقاط الاتية:
1/ رفع مكانة مصر في العالم الاسلامي وان تكون مركز الثقل الحقيقي.
2/ استغلال النصر التاريخي علي المغول في رفع عنصر المماليك انفسهم امام العرب والمسلمين.
3/ استغلال ابعاد مصر خاصة الاسيوية والمتوسطية بشكل واضح في عهد دولة المماليك .
4/ الاستناد علي القوة الاقتصادية في تنفيذ سياسات دولة المماليك الخارجية.
وساتكلم بشىء من التفصيل في هذه النقاط واولها
رفع مكانة مصر في العالم الاسلامي بعد نصر عين جالوت
استولي بيبرس علي حكم مصر كما اشرت بعد اغتياله للسلطان قطز وكان عليه ان يعمل في سرعة كبيرة للتخلص من اعداؤه في الداخل والخارج حيث واجه ثورتين في وقت واحد وتخلص منهما بحنكة كبيرة وهما ثورة علم الدين سنجر الحلبي بدمشق وثورة الكوراني الشيعي بالقاهرة.

تفرغ بعدها بيبرس الي مشروعه الاكبر في رفع مكانة الدولة في العالم الاسلامي وذلك باحياء الخلافة العباسية من جديد بعد مقتل اخر الخلفاء العباسيين المستعصم بالله عام1258 وكانت الخلافة ضعيفة ليست لها حول ولا قوة في ميزان السياسات الدولية انذاك ولكن علي الرغم من ذلك كانت لها من القوة الروحية ما لا يضاهيها من قوى اخري ففكر بيبرس في احيائها مرة اخري ولكن ليست في بغداد هذه المرة ولكن في القاهرة وبذلك يرفع مكانة مصر بين الامة الاسلامية التي كانت تنظر الي الخليفة العباسي بعين التقدير والاحترام وانه خليفة رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث جلب ابو العباس احمد الذى استنجد بدمشق واختفي فيها عن اعين التتار واحتفي به بيبرس وقلده الخلافة في احتفال عظيم حضره جمع كبير من ضمنهم شيخ الاسلام عز الدين بن عبد السلام وبذلك ضمن بيبرس شيئين :

اولهما: شرعية بيبرس في الحكم وتهدئة الاوضاع التي خلفت مقتل قطز ومحاولة جذب المصريين منه.
ثانيهما: رفع مكانة الدولة المملوكية في العالم الاسلامي وهو الاساس لما تبعة سياسة المماليك حتي انتهاء دولتهم في 1517.
استغلال النصر التاريخي لرفع مكانة العنصر المملوكى امام العرب والمسلمين
اما ثاني العنصر التي ارتكزت عليها سياسة بيبرس الخارجية ومن بعده من السلاطين هو رفع مكانة المماليك امام المسلمين حيث كان دور المماليك لا يتعدى دور الجنود الاشداء في المعارك او خدام ومطيعين للسلاطين في جميع الدول الاسلامية علي اختلاف المسميات او السياسات حيث كان المماليك في اقصى الشرق في الدولة الخوارزمية او في بلاد ماوراء النهر يستخدمهم السلاطين في الجيوش والمعارك اما في الغرب حيث الاندلس مثلا استخدم الخلفاء الامويون الصقالبة في القصور ومن بعد ذلك في شئون الحكم والسياسة اما في مصر فقد اكثر سلاطين بني ايوب منهم من عهد الناصريوسف صلاح الدين حتي الملك الصالح نجم الدين ايوب في تربيتهم من الصغر علي التربية الاسلاميةوالعسكرية علي ان يكون ولائهم للسلطان وبذلك انتشر عنصر المماليك بهذه الواجهة .
اراد بيبرس ان يدعم نظرية مغايرة اخري لما سبق وهي ان يتقبل العالم الاسلامي حكم العبيد الارقاء تحت شرعية العباسيين وهو مافعله بيبرس بجلب الخلافة العباسية في عاصمة الدولة وان ينشر في العالم الاسلامى انهم حماة الدين والعقيدة من الكفار التتار والصلبيين اي ان شرعية الدولة المملوكية شرعية جهادية بالدرجة الاولي وقد نجح في ذلك بيبرس نجاحا باهرا خيث تمكن طوال حكمه ان يثبت هذه الشرعية عن طريق تصفية الوجود الصليبي الذى نجح في استئصاله ومن بعده قلاوون والحرب ضد التتار التي اخذت منحنى جديد حيث ميزان القوي مال نحو المماليك علي حساب خصومهم التتار بفضل سياسة بيبرس الناجحة في التحالف مع فرع التتار المسلم وهي القبيلة الذهبيةبرئاسة زعيمهم بركة خان ضد دولة اليخنات فارس بزعامة هولاكو خان وبذلك وضح للمسلمين ان المماليك هم انسب حكام في هذه المرحلة لتربيتهم العسكرية والاسلامية.
استغلال ابعاد مصر الاسيوية والمتوسطيةبشكل واضح في سياسات المماليك
رأي بيبرس بسياسته النافذة ابعاد مصر انها مهمة في حماية مصر من جانب وتنفيذ سياسة المماليك في السيطرة علي العالم العربي بشكل مباشر اوغير مباشر وابعاد مصر كما قال عنها العبقري جمال حمدان في كتابه نحن وابعادنا الاربعة :" تعدد الابعاد والجوانب في تاريخ مصروتوجهها نتيجة منطقية منتظرة ومتوقعة بالموقع البؤرى في قلب مثلث القارات"
بذلك استغل بيبرس موقع مصر في السيطرة علي:
1/ بلاد الشام لانه رأى انها الامتداد الطبيعي لمصر ومن غيرها تنعدم قيمة مصر الاستراتيجية ويمكن لاى عدو بمنتهي السهولة الانقضاض علي مصر من هذه الجهة وقد ورث بيبرس هذه السياسات من الطولنيين والاخشديين وبني ايوب الذين امنوا بهذه النظرية
وبذلك استولي بيبرس علي الشام في خضم معاركه ضد الوجود الصليبي.
2/ بلاد الحجاز لما له من بعدين خطيرين في حياة مصر الاول اضفاء الشرعية الدينية لمماليك وانهم حماة الملة والحرمين والثاني بعد اقتصادى في استغلال البحر الاحمر والوصول اي اليمن وشرق افريقيا والهند وهذا ما نجح فيه خلفاء بيبرس.
اما عن طريقة السيطرة علي الحجاز فقد واجه بيبرس في ذلك صعوبة في اول الامر وذلك بسبب منازعة الدولة الحفصية في تونس علي النفوذ داخل الحجاز حيث كان الحفصيون يمهدون لنفوذ كبير علي الحجاز لاطفاء الشرعية داخل بلادهم باعتبارهم ورثة الموحديين في بلاد المغرب وانتسابهم المزعوم الي عمر بن الخطاب ابو حفص زوج الرسول صلي الله عليه وسلم فاستغلو ذلك الامر في انتزاع الحجاز تمهيدا للالتفاف علي المماليك والقضاء عليهم ولكن بيبرس واجه هذا الامر بقوة ونجح في النهاية بعد تنصيب الخليفة العباسي في القاهرة والذى اخذ تفويض منه بالقضاء علي النفوذ الحفصي وابداله بالمملوكي وبذلك نجح في ادارة الصراع المستتر بين الطرفين دبلوماسيا بدون نقطة دم واحدة بين المسلمين وتجميل صورة المماليك في اعين المسلمين.
اما البعد الاخر وهو البعد المتوسطي ونفوذ مصر داخل البحر المتوسط وجنوب اوربا وقد استفاد بيبرس من ذلك شيئين الاول سياسي وهو ابلاغ رسالة الي الاوربيين مفادها وجود دولة تعتمد علي الجهاد والقوة العسكرية شعارا لها والثاني اقتصادى ان دولة المماليك هي الوريثة الوحيدة في الشرق للتجارة المتوسطية بين اوربا واسيا او الشرق والغرب وذلك عن طريق الاسكندرية او مدن الشام ونفذ سياسته تلك عن طريق التحالفات مع ملوك ومدن جنوب اوربامثل ملك صقلية ونابلى وقد سار السلاطين من بعده علي هذا النهج وكان النفوذ المصري في البندقية واضحا طوال العصر المملوكي.
الاستناد علي القوة الاقتصادية في تنفيذ السياسات الخارجية للدولة المملوكية
حيث لم يستغل بيبرس السياسة فقط في السياسة الخارجية ولكنه اعتمد علي الاقتصاد ايضا وذلك من خلال التحالفات بينه وبين الاوربيين وايضا استغلال مواني الدولة خاصة الشامية في التجارة وماوصلت له مصر من انها حلقة الوصل بين الشرق والغرب ظل عالقا بالاذهان منذ ذلك العهد عند الاوربيين واستغلوه بشكل قوى في القضاء علي نفوذ المماليك بعد اكتشاف راس الرجاء الصالح ومن بعده نابليون في خطته لضرب انجلترا عن طريق مصر تمهيدا لحفر قناة السويس في العصر الحديث وبذلك نجح بيبرس في عالمية الدولة عن طريق التجارة او ما نسميه تخصص الدولة في مجال واحد وجعله هدف قومي وهو ما بدأوه بيبرس وسار علي نهجه سلاطين الدولة حتي تم تدمير هذا المشروع علي يد البرتغاليين بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وضرب النفوذ السياسي والاقتصادى للمماليك في الهند ومن بعدهم العثمانيين الذين قضوا علي المماليك نهائيا 1517.