الخميس، 30 سبتمبر 2010

انجليزى دة يامرسي !!!


مرسيه ، اوك ، ثانكس ، اورفوار ،بنسوار او حتي شوكوزال كلها الفاظ اجنبية كما نعرف منها مايقوله الفرد منه استعلاء علي الاخر او يقولها لكي يثبت انه يعرف اللغات الاجنبية ويتعلمها او لجهله باللغة العربية لاسمح الله ولكن اذا كان جاهلا باللغة العربية التي هي لغته الام في وطنه الذى لم يعد ام ولا اب حتي فهذه كارثة في حد ذاتها ولكن اظن اننا اعتدنا علي الكوارث منذ زمن ونقول هل من مزيد منها ..

لا اقول ذلك كي احقر من شأن البعض ولا التقليل من عقولهم ولكن اسأل من يقول هذه المصطلحات وانا منهم هل لاتوجد بدائل لهذه الكلمات في اللغة العربية ؟ هل لا توجد كلمة شكرا او مساء الخير او صباح الخير ؟ واترك الاجابة لكم بالطبع ..

الحقيقة لو تأملت كثيرا في الشوارع العربية التي لم تعد كذلك للاسف تجد من العجائب مايطيش بعقلك المسكين ..مثلا اذا ذهبت الي صالون الحلاقة تجد ان اسمه" جولدن فنجر " اظن انه لايستطيع الاسطي المتعلم في كامبريدج ان يكتبها الاصابع الذهبية ..اذا ذهبت محل بقالة متواضع تشم منه رائحة الجبن والزيتون بشكل يثير جوعك تجد ان اسمه" سوبر ماركت مادونا " كنت سأبتاع منه لو كان اسماه محل بقالة نانسي عجرم ..تذهب الي محل يبيع الهواتف الخلوية لتجد اسمه اوبشنز ..اسمع من يقول ماهي الهواتف الخلوية اساسا ..

"دائما المغلوب مولع بتقليد الغالب " هكذا قال ابن خلدون مقولته الرائعة التي تلخص حياتنا الان في هذا القرن ..العرب مغلوبون علي امرهم ناهيك عن العولمة التي هي اساسا مخطط استعمارى جديد يجتاح العالم كله لغرض معروف في نفس امريكا تجد مصطلحات الامركة تصل الي بيوتنا من الافلام الاجنبية المدمرة علي ثقافتنا ..انا لا ادعو الي مقاطعة الافلام الاجنبية او الثقافة الاجنبية عموما او الروايات التي تجد عاشقين لها اكثر من الروايات العربية وانا منهم ..فانني احب ان اقرأ لفيكتور هوجو او تشارلز ديكينز او فيرن وجورج اوريل اكثر من توفيق الحكيم ونجيب محفوظ والعقاد
اذن نفهم اننا لاننغلق ابدا علي الاخر ولكن في مقابل ذلك ننزع جذورنا بأيدينا وايدى كارهي التراث ممن يدعون التغيير في البخارى او عدم طباعة الف ليلة وليلة بحجة انه كتاب جنسي فاضح لايمكن قراءته (علي اساس انه لاتوجد روايات مليئة بهذه المشاهد ..)

نابليون الذى اتي الي مصر بجنوده وعتاده وسلاحه اتي ايضا ومع مطبعتين احداها عربية لتكون اللسان الناطق عن الوجدان الفرنسي للحملة ومخاطبة عقول المصريين ولكن يقفز السؤال الي اذهاننا الان هل كان في نية الفرنسيين تعليم الشعب المصري ام ماذا ؟ الحقيقة انني سأجاوب علي هذا السؤال من كتاب "منتهي الطلب الي تراث العرب " للرائع جمال الغيطاني حيث اورد فقرة في منتهي الاهمية وهي :" صحيح ان نابليون اتي بالعلماء الفرنسيين ولكن لالينقل العلم الحديث الي ابناء الشعب لكن ليدرس البلاد تمهيدالجعلها هامشا للحضارة الاوربية وتابعة ..ان قراءة مصادر الحملة الفرنسية تؤكد نظرة المستعمر لديهم سواء في اليوميات التي كتبها بعض قادة الحملة او في الصحيفتين الذين اصدرهما نابليون في مصر (كورييه دى ليجيبت و لاويكاد اجبسيان ) حيث ترد عبارت كثيرة مثل الشعب الهمجي والجهلاء "

وهكذا نظرة المستعمر البغيضة الي الان هل تظنوا ان عملية الامركة التي تذوب بها عقليات العرب الان من الحداثة والتطور ؟..هل تظن ان تعبيرات مثل كول ومان من مفرادات التحضر ؟؟الكثير يظن هذا ولكن هو لايعلم انه يخضع الي استعمار من نوع جديد اسمه الاستعمار الثقافي ..كان الفرنسيون متفوقون الي حد بعيد في التأثير بالشعوب اثروا فينا ايام الحملة الفرنسية وانبهر محمد علي بالحضارة الفرنسية كثيرا واتفق مع الفرنسيين ان يبعث بابناء الفلاحين الي باريس ومارسيليا وطولون لينهلوا من العلم الفرنسي الحديث والثقافة الفرنسية ..صحيح ان هؤلاء رجعوا مرة ثانية ولكن اثروا في الشعب المصري واخذوا بيده الي التطور حتي اواسط القرن العشرين ولكن هؤلاء العلماء للاسف اخذوا بيد الشعب المصري الي التطور الظاهرى لا الفكرى العميق بل انهم تمردوا وثاروا علي الافكار القديمة بكل مفاهيمها سواء الخيرة او الشريرة ..ولكن لا نفهم ان كل هؤلاء ثاروا عليها بل هناك من دعمها واخرج لنا التراث بشكل جديد مثل المفكر احمد امين او طه حسين او غيرهم ولكن هل استفادت مصر بقدر ماتضررت ؟الاجابة ليست هنا بالقطع لانني اصغر من اقول الاجابة ولانها تحتاج الي تعمق كبير في فكر هؤلاء وفي فكر المرحلة التي كانوا فيها ..

سؤال اخر في غاية الاهمية لماذا لم يتأثر المصريون بالاحتلال الانجليزى مثل الهند وجنوب افريقيا مثلا ولماذا لم يتكلم المصريون الانجليزية بطلاقة مثل الهنود مثلا ؟ الحقيقة اذا نظرنا الي الاحتلال الانجليزى نجد ان الانجليز اثروا فينا بقدر مالم يأثروا فينا ..بمعني ان الانجليز بالفعل اثروا فينا في اشياء كثيرة والتي اثرت في نفسية الشعب المصري الي الان مثل طريقة فرق تسد الشهيرة التي تتخذها الانظمة المصرية بعد خروج الاحتلال ضد بني جلدتهم والتي تتخذها الحكومة الان ضد معارضيها والاختراق الامني ضدهم وهذه كانت طريقة الانجليز فيمن يحكمونهم ..اثروا فينا في عمليات النفاق والموالسة التي تأثر بها بعض المصريين خاصة القريبين من الحكم للتزلف الي الحكام ببعض الكلمات المعسولة مقابل مناصب ..الانجليز حكمهم استعمارى اقتصادى وهو يختلف قطعا عن الفرنسي الذى هو استعمارى ثقافي ..تجد دول مثل غرب افريقيا وشمال افريقيا يتكلمون الفرنسية كالفرنسيين وهذا يدل علي صحة كلامي ..اما بالنسبة الي عدم تأثير الانجليز في لغتنا فهذا له اجابة رائعة من جمال الغيطاني حيث قال " المجتمع المصري ظل متماسكا ،حيويا مستمرا منذ الاف الاعوام ، العمل مستمرا لم يتوقف علي ضفاف النيل ،استمرارية الثقافة ،وحيويتها المتمثلة في تجددها واستيعابها للظروف المتغيرة "..

ويقول ايضا في فقرة اخري :" من الصعب ان نقول ان الثقافة المصرية ثقافة متجمدة ،محافظة علي القديم فالمصريون عبر تاريخهم الطويل غيروا لغتهم عدة مرات من الهيروغليفية الي الديموطيقية الي اليونانية الي الرومانية الي القبطية الي العربية في النهاية واستبدلوا دينهم مرتين "..ونفهم من هذا السياق بالرغم من دخول عناصر كثيرة الي مصر الا انهم انصهروا في بوتقة واحدة واصبحوا مصريين وغلبت الثقافة المصرية وطوعت كل هذه العناصر بكل افكارها في ذاكرة مصر الثقافية الي الان ..

هناك سبب اخر اورده جمال الغيطاني في كتابه الرائع انه بسبب ارتباط المصريون بالدين منذ فجر التاريخ وارتباطهم بالخلود نجد علي مر العصور تخليد المظاهر الدينية يبنون الاهرامات لتكون مقابر ..يخلدون انفسهم علي جدران المعبد ..يبني السلطان المملوكي الذى جاء من بلاد ما وراء النهر مثلا مسجد ليدفن فيه ..لتجد جمال عبد الناصر يدفن هو الاخر في ضريح ..اذن الاستمرارية والتجديد والفكر الديني هي العناصر التي انتصرت علي اي غازى لمصر سواء عسكريا او فكريا ..

اما عن الان فنحن نواجه غزو ثقافي قيمي من نوع جديد وليس في مصر فقط بل في العالم اجمع وهو مايؤكد نظرة المستعمر الابيض في جميع العصور لغيره من البشر والتي ورثتها امريكا من بريطانيا وفرنسا ..

بنسوار عليكم

هذه التدوينة اهداء ل د ستيتة حسب الله الحمش