السبت، 14 مايو 2011

سرى للغاية (3)


اتذكر تلك الايام الخوالي التي اعقبت الثورة المصرية ،كنت حينئذ في العشرينات من العمر ، عشت فيها وعايشتها بل انني اقتربت من احداثها للغاية ،تعاملت مع اخبارها سواء الغث منه او الثمين ،تفاعلت معها بشكل غريب ،كنت اصل الي الاحباط الكامل ومع قمة الاحباط اصل الي مبتدأ التفاؤل ، بل اصدقك القول انه مزيج ما بين الامل والخوف من فقدانه او مابين الاحباط الكامل والتفاؤل الكامل ،لايوجد وسط في هذه الاحاسيس المتضاربة ،عليك ان تختار مابين ذلك او تعيش كل الاحاسيس والمشاعر بدفعة واحدة وباعصاب كاملة وبقلب ووعاء يحتمل كل الاسباب والنتائج المؤدية لاحساس تشعر به في لحظة يتبين فيها الخيط الابيض من الخيط الاسود من الفجر ..

انظر الان من الشرفة الي البحر الواسع ،واكتب اليك وانا انظر الي البحر واتذكر الايام التي كنت فيها في الاسكندرية عند قلعة قايتباى حيث المكان الذى اجد فيه نفسي ..لم اجد نفسي الا هناك ..لماذا هذا المكان بالظبط لا اعلم كنه هذا الارتباط الخفي بيني وبين هذا المكان ،كنت اعلم ان هذا المكان تاريخي حيث تعاقب عليه البطالمة الذين رأوا انه المكان المناسب لبناء منارتهم العجيبة ذات المائة والعشرين مترا والثلاث طوابق بل انه نفس المكان الذى اختاره زلزال القرن السادس الهجرى كي يقضي علي منارة العجائب بل انه نفس المكان الذى اختار فيه السلطان المملوكي "قايتباى" ليبني قلعته المجيدة لحماية مصر من الاعداء واخترته انا لكي يكون المكان الذى اغسل فيه احزاني ،كنت كلما احزن او يلم به ملمة من الملمات اذهب الي هناك واتحمل مشقة السفر لاذهب الي هناك وانظر الي البحر وفقط ..

كل هذه الذكريات تتصارع في ذهني الان وانا اكتب وعلي ركن فمي الايسر ابتسامة قد تكون ابتسامة استهزاء او ابتسامة اشفاق علي هذا الشخص الذى بلغ من العمر مايمكنه الان ان يتذكر ويحكي ما في جرابه من حكايات مملة احملكم جزءا منها ..علي اية حال انت تتعذبون معي بهذا الكلام الهراء الذى لايضير او ينفع احد الا صاحبه الاحمق ..

الهراء ذاته هو ما كان يتخيله البعض في تلك الايام التي اعقبت الثورة المجيدة التي عايشنها جميعا حتي انني سمعت مرة الكاتب الساخر جلال عامر يقول : " الثورة ليست عطسة يعقبها يرحمكم الله ولا خناقة تنتهي بحصل خير " ..
تعجبت من القول ووجدته حقيقيا جدا ، تصور الناس ذلك بالفعل ان الثورة عطسة وقلنا الحمد لله او انها كانت خناقة بين افراد الامن المركزى والثوار في الشوارع ،بل انك تتعجب من الناس الذين يقولون لك ان الثورة هذه نتاج فعل خارجي كتب في اجندة حمراء اللون مكتوب عليها من الخارج سري للغاية وممهور بتوقيع رئيس السي اي ايه او الموساد او حتي رئيس مخابرات جزر القمر ..هراء ..اليس كذلك ؟

ولكن الهراء ذاته ان تتخيل وانت تعايش ثورة كهذه انك تسقط من حساباتك المؤامرات الدولية التي كان يضمرها اعداء مصر في حينها بل اسمح لي ان اتهمك بالعته اذا ظننت ان اسرائيل والولايات في الدوائر المغلقة يقولون" حسنا الثورة في مصر انتصرت" ويقول( موشيه لجون دعنا يارجل نستمتع بهذا الفيلم حتي نهاياته وتعلم ايضا ان لموشيه وجون دور هام في هذا الفيلم وانهم سيؤدون دور استيفان روستي وعصابته ويقتحمون غرفة اسماعيل ياسين في فيلم المليونير ويقولون له ببساطة لابد لنا ان نلعب سويا حتي تسدد لنا ما عليك من اموال ايها الوغد )

لجون وموشيه المصلحة الكبرى مع برعي المتخفي الذى سلب منه النفوذ بعد الثورة وهذه نظرية المؤامرة الكاملة التي لاتؤمن بها ولكن لابد ان تستمتع بالفيلم مثلما استمتعت مع اوراقي التي وجدتها في الكنز هيا بنا الي دور العرض ....

برقية 35 .. اختصار (من كاتب المذكرات )

ارى ان علي "2" ان يحضر الي القاهرة فورا فهو بصفته الدبلوماسية سيحضر في سرعة نريدها جميعا نحن فريق العمل هنا ،نحن نضع اللمسات النهائية بالفعل علي خطة "العصا الكهربية " ولكن نريد ايضاحات معينة عن طبيعة العمل والترتيب الخاص بمعاملتنا مع بعض الظباط القدامي .. وضعنا نسخة سرية في السفارة الامريكية مع "مارثا " مسئولة التنسيق معنا وهي اتخذت اللازم في الغطاء لهذه العمليات هنا ..عليكم ان تتعجلوا بسرعة فنحن في سباق مع الوقت ..

القاهرة


برقية 36 :" للاسف مفقود نصها ولكن - الكلام لصاحب المذكرات - اخمن انها برقية قصيرة تتعلق بميعاد الوصول للعميل "2" والاستجابة لما هو مطروح في البرقية السابقة "


برقية 37 : سري للغاية

من العميل "2"

" الان انا في القاهرة نحن ننسق مع زملائنا في السفارة علي الخطة النهائية ،تعلمون ان فريق العمل هنا له خبرة واسعة في الشئون المصرية وله علاقاته مع ظباط قدامي ورجال اعمال لهم نفوذ قديم في الحزب الحاكم ومع شخصيات عامة لها وزنها ..يعتمدون انهم يجندوهم بدون عمل مباشر او عن طريق وسيط يعمل لحساب الطرفين ..علي اية حال نحن اتفقنا علي بعض النقاط التي نريد الرد السريع والقاطع فيها وعلي موافقة رئيس الشعبة عليها وهذه النقاط يمكن تلخيصها في :

1: نشر اشاعات خاصة حول الشغب وترويع الامنين ..
2: محاولة ظهور بعض التيارات المتشددة في الشارع ونشر شائعات حولها ..
3: نستعين ببعض الظباط القدامي الذين كان لهم علاقات خاصة مع هذه التيارات في اثارة البلبلة داخل هذه التيارات وجعلها تنساق نحو العنف ..
4: التركيز حول قضايا الشرف والاختطاف خاصة في الاماكن النائية والقروية ..
5: التركيز حول ظهور بعض الشعارات الدينية المتعصبة وذات مفهوم عنصرى ..
6: ظهور بعض رجالنا من الشخصيات في الاعلام لتغذى هذه الاتجاهات السابقة ..
7: سيكون لنا عمل في الصعيد حول النزاع الطائفي والقبلي بالاساس ..

هذه خطة مبدئية وجارى وضع خطة تنفيذية حول هذه النقاط ونرجو السرعة في دراسة هذه النقاط ووضع ارائكم الخاصة بها ...


القاهرة ...
.........................

برقية 40: (برقية قصيرة للغاية وغير معنونة )

"ارى ان الخطط السابقة تجرى بسرعة نتوقعها ،ونشكر كل فريق العمل علي هذا العمل الرائع ، لكم من جزيل الشكر "

"ن " ...تل ابيب ..

برقية 50: "سيصل اليكم " د ب س " غدا وانتم تعلمون انه له خبرة واسعة للغاية في الشئون المصرية ،عليكم ان تتعاونوا معه لتنفيذ الخطط القادمة ".....

ملحوظة : الشخصية المشار اليها بحروف د ب س ..شخصية حقيقة بالفعل وهذا ما سأثير به فضولك الي الحلقة القادمة ان شاء الله ..

يتبع ان شاء الله