الاثنين، 22 نوفمبر 2010

مراّة التاريخ


الادب الانجليزى بسحره وعبقه وافكاره وتخيلاته عن العصر الفكتورى وملابس هذا العصر وحتي الالفاظ التي تحويها روايات تتحدث عن هذا العصر ومابعده ادخلتي في حالة نشوة فكرية عجيبة ..من الواضح انك فهمت من الجملة السابقة انني من عشاق الادب الانجليزى ..بالفعل انا من محبي هذا الادب الشيق وكتابه الابرار الذين اضافوا الي البشرية نوعا جديدا وافكارا جميلة عن بريطانيا كأى ادب انساني ..فالادب عموما مراّة للعصر ومراّة للمجتمع الذى خرج منه الادب ..اي اننا نعتبر ان الادب عنصر هام في التاريخ باعتباره قصة تعبر عن احداث واراء سادت عصر معين ..بالطبع تعرفون انني لست ناقدا ادبيا او فنيا ولكنني احب هذا الادب واعشق الفاظ علي غرار :

"باسم الملكة " و " شاى الساعة لخامسة " " بحق القانون " واشياء من هذا القبيل التي تسحرك في جو تاريخي رائع كأنك تشاهد افلام العصر الفكتورى بازياءها المميزة ..

سيلفر الاعرج او الخنزير المشوى كما يناديه رفاقه الاشقياء هو رئيس القراصنة الذين دبروا خطة لسرقة الكنز في الجزيرة وبعد احداث جسام من وحي خيال الكاتب العبقري ستيفنسون التي صاغها في قالب ادبي بسيط وشيق للغاية يدخل جون سيلفر معركة حامية مع افراد عصابته التي لم ترضى بديكتاتورية جون سيلفر الذى اتخذ قرارا بعدم مقتل احد افراد الفريق الاخر الذين يحاربون القراصنة ..كان جون سيلفر ديكتاتوريا منفردا بالقرار لوحده ..يأمر وينهي في عدم قرار مقتل "هوكينز " ..هل يسكت رفاق سيلفر ام يتم تنحيته عن السلطة ؟بالطبع الاجابة واضحة سينقسم الرفاق حول القرار وفي النهاية ينفرد سيلفر بالقرار ..اذا فكرت في هذه الاجابة وبالتأكيد فكرت فيها فيؤسفني ان الاجابة خاطئة ..

اتفق رفاقه علي القرعة والانتخاب بل وعزل سيلفر ..والادهي من ذلك انهم اصبحوا يد واحدة ضد سيلفر الذين يحبونه ويجلونه كمجرم كبير ومخضرم ..وبالفعل كادوا يعزلونه لولا انه اي سيلفر اقنعهم بحجته حتي انصاعوا للامر في النهاية ..بالطبع ستتهموني بالعته ..لماذا تذكر هذه القصة التي لاتبرز اي معني او تضاد يبينه ويقويه ؟؟..

كما قلت لكم ان الادب مراّة لعصره ..مراّة للتاريخ ..وهذا صحيح الي حد بعيد ..لم تجد في القصة سيلفر ديكتاتوريا منفردا الا بحجة واضحة ..لم تجد الرفاق يتأمرون لعزله الا بمنطق وحجة وقانون ..لم اذكر انهم قطعوا ورقة من الكتاب المقدس وكتبوا علي ظهرها قرار عزل سيلفر لانه انتهك قانون العصابة ..حتي للعصابات قوانين تحكمها ..قوانين نافذة قوية صارمة علي الكل ..الا عصابات الحكم في بلادنا المنكوبة بالطبع فلهم قانونهم الخاص السري كأنه احد قوانين الماسونية الشريرة التي تحتم علي افرادها التخفي وعمل اشياء ترضى الشيطان الاكبر ..

الماجناكرتا البريطانية التي سجلت في عام 1215 كخطوة علي طريق الكفاح الشعبي البريطاني الذى ارغم الملك الانجليزى بالتنازل عن بعض سلطات الملك ..لم تكن الخطوة الاولي ولا الاخيرة ..كفاح شعبي متواصل جعل المواطن البريطاني يفكر بطريقة الماجناكرتا ويحلم بطريقتها ويتعامل علي اساسها كأنها انجيله الخاص ..هذه الوثيقة التي جعلت البريطاني الذى نظر لمذيعة مصرية كانت تغطي احداث انتخابات رئاسة الوزراء الاخيرة وعندما سألته هل ستذهب الي الانتخابات ؟ فنظر اليها شذرا ولسان حاله يقول لها هل هي مجنونة ام ماذا؟ ورد عليها بالطبع فهو من حقوقي ان انتخب واختار مرشحي الخاص وتركها ومن ثم تركنا في حسرة علي عصابة جولدن فينجر التي تحكمنا الان ..

اذا قلت لاى فرد في الشارع المصري وقلت له عصيان مدني سينظر اليك شذرا ايضا وسيقول في نفسه اما الذى امامي صحفي معارض او مخبر سري او رجل معتوه ..بالطبع ستكون معتوها اذا ذهبت للمصري وقلت له ان 2 مايو المقبل هناك خطوة للعصيان المدني ..هذه الدعوة التي اطلقتها المعارضة في خطوة لا اراها انها ستفيد كثيرا في حل الاوضاع المتردية لسبب بسيط ان المصريين لا يعرفون معني عصيان الا لو جمع عصا ولا يعرفون مدني الا السجل المدني او الدفاع المدني غير ذلك لا يرون اي شىء اخر ..

قرأت هذا المقال الذى اتفق مع معظم ما جاء فيه من افكار هويدا طه ان العصيان المدني لا يتم مع عقول المصريين الا في حالة واحدة اذا ابرزت الناحية الاقتصادية واظن ان هذا التفسير حقيقي الي حد بعيد ..لن تجد اي مصري اصيل ينساق وراء اناس يخاطبونه بالفاظ الليبرالية والحرية والديمواقراطية ولكنهم سينساقون وراء شعارات البطالة والرزق واكل العيش مؤكدا المثل المصري الشهير "عض قلبي ولا تعض رغيفي " اي ان الرغيف اولا وقبل اي شىء ..

مشكلة النخبة في مصر انها منعزلة في شعارات خاصة بها ..شعارات تخاطب جماهير النخبة لا جماهير الشعب ..هل تظن ان اذهب لعربجي وان اقول له ديموقراطية بالطبع سيعتبرني كافرا فاسقا خارج عن الملة كالمشهد العبقري(هنا) الذى جسده جميل راتب في فيلم البداية لمخرج الواقعية الشهير صلاح ابو سيف ..عامة الشعب لايعرفون الا ذلك اذن حدثهم بما يفهمون ويستوعبون

كانت الماجنا كرتا بالفعل خطوة كبيرة نحو الحريات ولكن هل جاء تحرك الشعب الانجليزى من تلقاء نفسه او تحت ضغط معين ؟ الحقيقة ان الشعب الانجليزى تحرك تحت لواء البارونات الانجليز الذين دخلوا في معركة كبيرة مع الملك جون الاول المستبد بالامر ..الفارض الوحشي للضرائب علي الشعب الانجليزى الفقير ..اللاعب الاساسي في السياسة الخارجية لانجلترا مع فرنسا الاكثر قوة مما جعل انجلترا ماهي الا تابعة لفرنسا القوية ..

نحن امام فساد ملكي ..غضب شعبي لم يتطور الي ثورة شاملة ..يحتاج الشعب الانجليزى من ينبهه ويقوده نحو الحرية ليجد النخبة المتمثلة في البارونات الذين ضغطوا علي الملك لكي يوقع علي وثيقة الماجنا كرتا لتكون دستورا للبلاد ولتصبح انجلترا من اولي الدول في العصور الوسطي تخطو نحو النظام الديموقراطي ..

الشعب الانجليزى كان يريد ذلك هذه قضيته الاساسية والتقت مصالح البارونات مع الشعب نحو المصلحة العامة لم تجد البارونات مثلا في برجعهم العالي ينادون بشعارات هوجاء غير واقعية تبرز حناجرهم قبل ايديهم ..كان الشعب الانجليزى يرى في الديمواقراطية الحل الوحيد له واخراجه من الفساد وضغط من اجل ذلك ..

اذن النخبة تخرج مما هي فيه من الغباء المستشري في قيادتها وتتفق انها تخاطب الشعب المصري من اجل هدف واحد فقط وهو مايتفق عليه المصريين الا وهو الناحية الاقتصادية ..هذه الناحية بشكل مباشر مرتبطة بالديمواقراطية ولكن اذا غضب الشعب من ناحية سيفلت الزمام وسينتقل الي الناحية الاخرى ولكن وجهة نظرى المتواضعة اجد ان النخبة متعالية بشكل فج علي العامة وينظر البعض اليهم بانهم بؤرة تخلف وسلبية ..القضية ليست غباء بقدر ماهو حالة انفصام جعلت من مصر بلدين بلد للمنتفعين وبلد للسكان الاصليين كما يوضحها بلال فضل في كتابه السكان الاصليين لمصر ...

مازلنا مع الادب الانجليزى الذى هو مراّة للانسان والحياة اليومية لابناء بريطانيا العظمي ..اجد مشهد اخر في رواية الكنز يعبر عن نفسية البريطاني تجاه بلاده ..عندما وصلت السفينة هسبانيولا الي شاطىء الجزيرة نزل قائد السفينة ووضع علم بريطانيا علي الجزيرة الغير مأهولة بالسكان ..مامعني ذلك ؟؟ الحقيقة اذا تتبعنا مسيرة الانجليز بعد الماجنا كرتا نجد ان الشعب تدرج حتي وصل الي ذروته في القرن التاسع عشر وهو القرن الذى تشكلت فيه استعمارية بريطانيا وبناء مجدها علي عظام ودماء المستعمرات ولكن تشكلت فيه الهوية البريطانية ايضا وما قبلها بالطبع من بعد وثيقة الماجنا كرتا وبداية الكفاح الشعبي البريطاني نحو الحرية ..واظن ايضا ان الهوية مرتبطة بنسبة الامان الديموقراطي بشكل كبير ..

نجد نفس المراّة الادبية في الكتابات الاسلامية التي سادت في العصر العباسي التي كانت تسوده الاحوال المتردية من استبداد حكام الاقاليم وضعف مؤسسة الخلافة والفساد الادارى الذى نتج عن ذلك في كل اوصال الدولة لتجد ان الكتابات تعبر عن ذلك وتجد كاتبا رائعا مثل الماوردى صاحب كتاب الاحكام السلطانية الذى يحدد فيه مسئولية الحاكم والمحكوم

والذى ساسرده بالتفصيل التدوينة القادمة باذن الله لتوضيح الفكرة ان الادب والكتابة عموما مراّة للتاريخ ..