زعم بعض كتاب الغرب انه لم يوجد احزاب في مصر علي الاطلاق في هذه الفترة ..حيث عندما قال لهم وزير الداخلية ان المجالس في اوربا تخصص المقاعد في الجهة اليمني الي اعضاء الحكومة واليسار لاعضاء المعارضة فمن يريد ان يكون في اليمين او اليسار فعليه ان يختار فانضم الاعضاء كلهم الي اليمين ..ولكن كان المشهد غير متوافق الان من الناحية الجمالية فقال الوزير اذن الحكومة ستجلس في اليسار فاسرع كل النواب الي جهة اليسار لينالوا مقاعدهم هناك ...
ما رأيك انت ؟؟..اظن ان النواب يعرفون هدفهم وغايتهم الكبرى من دخولهم المجلس ليكونوا مع الحكومة اينما كانت ..لا يعرفون الا مصالحهم .."اللي تغلبه العب به " هذه هي شعارات حقيقية ورئيسية لنواب الشعب المحترمين ..بل انها شعارات حقيقة خلفتها ثقافة الانفتاح واللعب باقدار الناس وعواطفهم ..لا تندهش اذا قلت لك ان الحكومة ديكور كما ان المعارضة ديكور ..منظر جمالي اراد به الحاكم ان يكون له خلفية جميلة وذات مناظر متناسقة حتي لا يقال عليه لا سمح الله طاغية ..
الحقيقة ان كلام وزير الداخلية ليس له وجود من الصحة بل هو زعم من الكتاب الاجانب ..اعرف الان انك صدقت هذه الرواية لانك تراها كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة وعلي جميع المستويات الشعبية ولكن حقيقة القول التاريخي تحتم علي ان انفي هذه المقولة التي لم يقلها الوزير او النواب وان ماقاله الكتاب الاجانب محض هراء ..
مجلس شورى النواب 25 نوفمبر 1866 كانت اولي جلساته التي استهلها الخديو اسماعيل بخطبة العرش ثم ثناء النواب علي اسماعيل وخطبته وعرشه ومصره التي جعلها قطعة من اوربا ..مصر في ايام الخديو اسماعيل كانت تتجه نحو الغرب بطريقة غبية للغاية حيث كان اسماعيل يحاول ان يمسخها ويسلخها من ثوب الشرق ويبدلها بثوب الغرب ..ويكفي ان يقال ان علي باشا مبارك خطط القاهرة علي اساس شوارع باريس واضطر الرجل الي هدم بعض المناطق الاثرية لتقوم عليها بعض الشوارع ..ستقول وما المانع ان يحول مصر كلها الي الغرب المتقدم ..سأقول لك نعم اوافقك الرأى بالنسبة لي من انصار التقدم اينما كان ومتي حل حتو لو اضطررنا ان نجلب كل مافي الغرب من مدن وعلوم الينا ..ولكن اذا عرفت ان محمد علي جد اسماعيل جلب الغرب ايضا الي مصر وبعث بابناء الفلاحين الي باريس وروما ولندن ليأتوا بعلوم وفنون الغرب الينا ولكن ليس بالطريقة التي اتبعها اسماعيل ولم يكلف مصر يوما ان تستدين من اجل التقدم المزعوم ..
الحقيقة ان اسماعيل كان من الطواغيت الذين يحبون ان يكون لهم خلفية مسرح لطيفة وجميلة وهادئة ..لا تندهش فهذه
النوعية متوافرة حتي الان حيث الفراعين الجدد الذين يبنون لانفسهم اهرامات وامجاد لهم لتكون ديكورا لطيفا لاعمالهم ولا تندهش ايضا اذا قلنا علي هذا العصر الذى بدأ بعهد محمد علي الذى قال عنه جمال حمدان اخر المماليك القدامي واول الفراعين الجدد ومن يقرأ تاريخ مصر منذ هذا العهد الي يومنا هذا سيعرف ان المقولة حقيقية الي حد بعيد ..
كما قلت ان اسماعيل كان طاغية ديكوريا اي انه يتخذ من الديكور تجميلا لحكمه ولعصره ..علي ايه حال كان المجلس الذى يدعي مجلس شورى النواب مجلس نيابي بالانتخاب وله الشكل الديموقراطي الغربي انذاك وله جميع الاختصاصات في الشئون المحلية ومناقشتها وتقديم الخدمات للمواطنين ولكن هل نجد بند في محاسبة الحاكم وسؤاله عما يفعل ..بالطبع لن تجد هذا البند الا في احلامك علي احسن تقدير لان المجلس المشار اليه انفا ولاحقا ايضا مجرد تجميل للحاكم ..لك ان تتخيل معي كم المديح الذى جناه اسماعيل من هذه الخطوة حيث اشارت الجرائد الاجنبية الي الخطوة الديمواقراطية الهائلة التي اتخذها اسماعيل باشا في احدى دول الشرق المظلم التي اعتادت علي الطغيان ...
اسماعيل اراد ان يكون المجلس له تخصصات محددة ولا يشب عن الطوق ولكن هل ينمو المجلس ويشب عن هذا الطوق ام ان الوضع بقي علي ماهو عليه؟؟ ..
اسماعيل الخديوى ذات اليد المثقوبة كما يقول عليه بعض الكتاب والذى اهدر اموال مصر علي جميلات اوربا وعلي ملذاته الشخصية بدون رقيب او حسيب واقترض من اجل بناء المسرح الديكورى المصري من مباني اوربية علي ارض مصرية وبناء هيكلا ومجدا زائفا وهرما خاويا باموال حقيقية وانهارت مصر علي انقاض المباني واصبحت دولة مفلسة بل ومحتلة ايضا ..
من الطبيعي ان يكون المجلس النيابي طائعا لاسماعيل باشا ولا يشب عن الطوق لانه خلق لاجل مهمة محددة ينفذها وفقط مجرد اطار لصورة اسماعيل المبتسمة ولكن هذا الانطباع لن تجده لان المجلس بدأ يشب ويكبر وينمو بفضل اناس اخذوا علي عاتقهم المسئولية في محاسبة اسماعيل نفسه برغم عنه وبرغم عن ناظر الداخلية الطاغية رياض باشا الذى اراد ان يحبط النمو ويغتال الحركة الوطنية داخله ولكن وقف له بالمرصاد اعضاء المعارضة.. الان اصبحت المقاعد التي في اليسار مملوءة بما يتوافر مع شكل المعارضة الحقيقي ..
اسماعيل طغي وتجبر واقترض واستدان ويساعده في ذلك الطغيان والفساد وعدم المحاسبة ..الشعب بدأ يغضب ويستهزأ ولكنه لم يجد الفرصة ليثور ..الجيش وصل لنقطة اللاعودة بسبب الفساد في الجيش نفسه ..احمد عرابي بدأ يتحرك بالثورة من الافكار الي العمل نفسه ولكن قبل كل هذا من فجر هذه الشرارة وما سببها انه عبد السلام المويلحي ..
وصلت مصر الي حالة الافلاس المالي بسبب الاقتراض بفوائد عالية من البنوك وبيوت المال لاصحابها المرابين اليهود في باريس ولندن ..بل وصلت الحالة بفرض وزيرين انجليزى وفرنسي في الحكومة المصرية برئاسة نوبار باشا وكانت الحكومة تخطط لاعلان نهائى لافلاس مصر وحل المجلس قبل ذلك لمعارضته علي الحل ومعارضته علي الاعلان وسياسة الحكومة في ذلك ووقف رجل واحد فقط في وجه الجميع وبعدها بدأ الغضب الي الثورة ..
عبد السلام المويلحي الذى كان احد الذين اعدوا مشروعا مضادا وكان من القوة باحباط مخططات الدول الاجنبية من الاساس وكان المشروع منصب علي دفع هذه القروض من الميزانية عن طريق الدخل القومي السنوى لمصر وابعاد الوزير الانجليزى والاخر الفرنسي وحل الوزارة ..المشروع كان قويا ..وكان رياض باشا الطاغية ناظر الداخلية اقوى .. دائما الحكومة قوية ..
اصرت الحكومة علي الحل واصرت المعارضة علي عدم الحل حتي خرج عبد السلام في وجه الطاغية رياض وقال له بالنص "اننا هنا سلطة الامة ..ولن نخرج الا علي بقوة الحراب " ..وصعق رياض باشا الذى جاء الي المجلس لتمثيل دور معين ..لان المجلس خلق ليكون له ذات الدور المعين ...
المشكلة في مصر التمثيل ..المسرح موجود ومهيأ لك ان تلعب دورا معينا ..المشكلة في مصر الموهبة لا التمثيل ..الحكومة تمثل ..المعارضة تمثل ..لكن الموهبة مفتقدة للاسف ..لن تجد ممثلا يلعب دورا من اجل الموهبة وفقط ..تجده يلعب من اجل المال ..اظن ان عبد السلام كان موهوبا ويمثل من اجل هدف امتاع ذاته ونفسه ..
رياض باشا يهدد ..عبد السلام يتلقي التهديد :
- رياض باشا : ماذا تقول حظرتكم ؟ مستحيل فض المجلس ؟ هل حظرتكم فاهم مسئولية قيمة ماتقوله ؟؟
- عبد السلام بعد ان انضم اليه كثير من الاعضاء : اننا هنا ممثلي الامة ..ولن نخرج الا بقوة الحراب ..
- رياض باشا : يعني حظراتكم تقلدون نواب فرنسا الذين ثاروا علي حكومتهم ؟ يعني حظراتكم الان مثل نواب اوربا وامريكا ؟
قاطعه احد النواب يدعي احمد العريسي : ياباشا الان انت تشتم نواب امتك التي تعطيك انت وغيرك مرتابتك الشهرية ..
وصاح عبد الشهيد بطرس : ان كلامك هذا وقاحة والمجلس لايقبل الاهانة من ناظر الداخلية ..
وصاح اخر يدعي احمد الصوفاني : اوافق علي رد الاهانة لناظر الداخلية حتي يعلم هو وغيره ان الامة ونوابها مازالوا احياء ..
عبد السلام المويلحي : ارايت ياباشا عاقبة تسرعك في الكلام ؟ المسألة ليست مسألة زى وثياب ..بل مسألة نواب لهم عقول تفهم جيدا رغبات الامة التي انابتهم عنها اليس من العيب وانت وزير يزاملك فيها وزير انجليزى واخر فرنسي وهما في الحقيقة خفيران عليكم وعلي الحكومة ثم تجمع امس -امام الوزيرين - اصحاب الجرائد وتقول لهم ان الحكومة عزمت علي فض مجلس شورى النواب ..فالحذر كل الحذر ان تنشروا كلمة واحدة عن هؤلاء النواب لانهم ناس جهلاء وهمج ..تقول عن نواب بلادك - مصر العزيزة - ذلك ونحن الذين درسنا في الازهر الشريف ..
اختتم هذه الكلمات الشيخ علي عبد الرازق الذي قال لرياض باشا : ان ماقاله المويلحي يعبر عن افكارنا جميعا
فصاح النواب موافقون موافقون ..( نص هذا الحوار تجده في كتاب محمد علي واولاده لجمال بدوى )..
خرج رياض باشا يهذى بكلمات غير مفهومة وفشلت خطته تماما في حل المجلس ..واستمر النواب في اعتصامهم واضرابهم ولم يخرجوا من المجلس حتي تم عزل الخديوى نفسه ولم يخرجوا الا بعد تولي خديوى جديد ووزارة جدية برئاسة محمد شريف باشا الذى كان مناصرا لاعضاء المجلس واصبح المجلس احد اركان الثورة العرابية بعد ذلك بعد الجيش والشعب الذى بدأ يثق في الجيش والمجلس ..
غضبة المويلحي ورجاله داخل المجلس لاتقل ابدا عن غضبة وثورة عرابي في الجيش بعد فترة قليلة جدا ..المجلس الذى اراد له ان يكون ديكورا اصبح من الفاعلين ..المجلس الذى لا يجوز له بمسألة الحاكم في البداية ..انقض علي اسماعيل وحقق له ضغطا عصبيا هو وحكومته حتي تم العزل ..صحيح ان العزل تم من السلطان العثماني صاحب السيادة علي مصر ولكن المجلس كان له دورا كبيرا في عزل اسماعيل ومن بعد ذلك تجرأ الفلاحون في عزل من يتحكم فيهم ..
عبد السلام حفظ الدور المنوط به وفهم كيفية لعب هذا الدور وكان موهوبا هو وزملاءه الي حد كبير ..اّ مسخت الموهبة الان؟ ام ان الموهوبين سخروا مواهبهم الفذة في طاعة الظلم وتسخيره ليتحكم في البلاد والعباد ..اظن ان الاجابة اوضح من الشمس في كبد السماء واوضح ايضا من لمعان الموس في فم عبد السلام النابلسي اللي شعر دقنه بيطلع لجوه ....