الامر يتعلق بالمستقبل قبل اي شىء اخر ..نترك الماضي علي الاقل في هذه الفقرة التي ستقرأها معي ..المستقبل بكل تخوفاته ..المستقبل بكل تقلباته ،الانسان عجول بطبعه يريد ان يعرف المستقبل فلجأ الي ضرب الودع والسحر والدجل لمعرفته لكي يطمئن ذاته انه سيعيش حياة افضل او انه لجا الي تلك الوسائل لكي يشبع بشريته العطشي الي معرفة ماهو ات
..اذن ياسادة ياكرام لابد لنا ان نتفق سويا ان المستقبل مخيف ولكي نطمئن انفسنا سنلجأ الي درب من الخيال الواسع او الي الماضي الفسيح بكل تقلباته واحداثه الجسام.. اترك المستقبل لله الان فهو جدير ان يطلعك عليه مع الايام لانه القدير واترك بشريتك تتعامل بشكل جلي مع الماضي وفقط .. اترك نفسك لي لكي اعطيك جرعة من الماضي لعلك تصل به الي المستقبل وليس بالضرورة ان تكون هذه الجرعة كافية او شافية او حتي صحيحة من ناحية التحليل المستقبلي للاحداث ولكن اعدك بانك ستستمتع والمؤكد انك ستفكر بعد هذه الجرعة فيما هو ات اذن فلنبدأ في ركوب القطار السحرى الي الماضي ..
العصور الوسطي ..حيث اوربا ..الوحل ..القمامة في الشوارع ..البابوية وتعسفها الشديد علي العامة ..المثقفون الذين يتعرضون للاهانات الفكرية وربما المحارق ومحاكم التفتيش .. الرهبنة والديرية المنتشرة في العالم المسيحي انذاك .. الاقطاع والطبقية البغيضة .. بداية النهضة وانتقال الحضارة الاسلامية بعد قليل الي اوربا لتنهض من كهفها المظلم الي نور الحياة ..بهذه السطور وصفت لك حالة اوربا ولكن مهلا ياعزيزى لابد لي ان اعطيك مزية عن غيرك ..سأعطيك مما يميزك عن غيرك اذن انصت لي جيد ا ...
انه القديس فرنسيس اوف اسيزى المولود في مدينة اسيزى الايطالية لاب ثرى حيث كان يعمل الاب تاجرا كبيرا للاقمشة ..
فرنسيس يتجه بعد قليل الي الرهبنة ،كان يحب الدين ويرى ان المسيحية تدهورت كثيرا علي يد البابوية المتعسفة لكنه كان مشفقا عليها في نفس الوقت حيث كانت تواجه مصاعب جمة حيث الهرطقات الدينية الكثيرة والبدع والخزعبلات التي انتشرت بين الطبقات الفقيرة في القرى والاحياء الفقيرة لذلك حمل علي عاتقه فكرة الاصلاح ومساعدة البابوية في القضاء علي البدع والخروج والالحاد في هذه الفترة لذلك بدأ في انشاء جماعته التي كانت اصلاحية واعطت الروح للجميع والامل الذى بدا في اصلاح الناس ورجوعهم الي الطريق القويم المستقيم وهكذا بدأ القديس في الظهور ...
جماعة الاخوان الفرنسسيكان او الاخوان الفقراء تبدأ في النزول الي الشوارع وانضم الشباب اليها من جميع الانحاء ،هدف الجماعة التبشير والوعظ والارشاد الي الطريق القويم ، كانوا شباب فقراء يعملون للدين وللتبشير باقصي ما يمكن من الطاقات كانوا يكتفون بفتات الخبز والاكتفاء بحياة الفقر ويقول المؤرخون في ذلك :
" ان دعوة فرنسيس تميزت بالتفاؤل بعكس من سبقوه ،وانه نادى بالتمتع بالحياة في حد معقول وتمجيد الطبيعة ،كما حاول ايجاد نوع من التوافق بين الله والانسان والنظر للجميع انهم متساوون في كل شىء " ..انها جماعة الاخوان التي نهضت شيئا فشيئا بالمجتمع المسيحي وقدمت له الخدمة الاعظم في ايجاد صيغة حياتية للخروج من المستنقع الاكبر " التخلف الفكرى ".
انه التفوق الذى وصلت اليه الجماعة انه المجد الكبير الواسع ..انه الاعتراف البابوى بالجماعة بعد فترة قصيرة ،اعتقد البابا انوسنت الثالث ان في الاعتراف الخير الوفير علي البابوية ، انه رأى بنظرته الثاقبة ان الجماعة ستساعده ضد حركات البدع المنتشرة وقد كان ذلك بنجاح باهر ..
كان للقديس فرنسيس دور سياسي ايضا ،كانت ايطاليا تعج بالفوضي والدماء التي تسيل ..حاول القديس ان يعمل علي انهاء تلك الفوضي ونجح في ذلك بل انه تخطي الحدود حيث الحروب الصليبية ضد المسلمين ..
كانت الحملة الصليبية الخامسة التي احتلت دمياط بقيادة قائد عكا "حنا دي بريين " واشترك القديس فيها لكي يعمل علي حلول وسطي تنهي تلك الحرب التي هزمت فيها القوات الصليبية هزيمة قاسية علي يد الجيش المصرى بقيادة السلطان الايوبي محمد الكامل .. عمل علي انهائها ولكنه وقع في اسر المسلمين وقابل السلطان وحاول ان يهدى السلطان الي المسيحية وفق اراءه ومبادئه ولكن دون جدوى حيث صرفه السلطان الي المعسكر الصليبي ورجع القديس فرنسيس الي اوربا ..
............
" الجسد الهائل لا بد له ان يسترخي قليلا علي اريكة الزمان وان يفتح كتاب مسلي غالبا سيكون كتاب للتاريخ يقرأ تاريخه المرضي فيه ويستعجب علي الحياة ، ويحاول ان يجد علاجا شافيا له لعل يعود الجسد الي سابق عهده من الحياة ومن الحيوية والحركة والنشاط ولكن قد يصدم عقل هذا الجسد المفكر ان لكل شىء نهاية ولعلك تجد الجسد بعقله وبعضلاته يقرر فورا ان ينتقل في يوم ما الي كلمة تمت بحمد الله التي تجدها انت في اخر كل كتاب ، وهكذا يطوى الكتاب ويضعه علي اريكته وينام الي يوم ان يلقي ربه "
......................
هل كان يعرف القديس فرنسيس ان جماعته التي انشائها وقضت الغرض المنشود لها في الدعوة والتبشير انها في يوم ما ستكون مرتع للنظرات القاسية من المجتمع ،وسينظرون اليها انها جماعة من الانتهازيين الذين يكنزون الذهب والفضة والاموال والضياع والعقارات ،وسينظرون اليها انها جماعة من المتشددين وسيذهب بريقها السابق ؟؟؟
بالطبع لم يكن يعرف القديس فرنسيس لانه لا يعرف المستقبل كما اننا الان لا نتكهن بالمستقبل القريب ولا البعيد ولكننا امام معلومات واحداث تاريخية قد يترتب عليها شىء ما في المستقبل قد يتحقق كما يحلو لنا او لا يتحقق ابدا ،لذلك لابد لنا ان ننشغل بالماضي لانه قنطرة الي الحاضر وان نعيش الحاضر لانه انعكاس للمستقبل شئنا ام ابينا ..
انتهت جماعة الاخوان ..الفرنسسيسكان ..لكل شىء نهاية ..
والنهاية قد تكون مخزية او مفرحة ولكنها النهاية علي كل الاحوال تكون مخزية اذا تفتت الجماعة بين اعضائها او تحكم طرف ضد طرف اخر او فكر ضد فكر او انها تتمزق الي مجموعات تريد الوصول وفقط ولكنها في النهاية في يوم ما ستنتهي حتما ..ولكن العزاء الوحيد انها ستنتهي وقد ادت جزءا مما تطمح اليه بشكل او بأخر ولكنها ...النهاية المحتومة ..